ثورة النساء اليوم فى العالم
ماذا يدفع الإنسان للتمرد والثورة أكثر من الإحساس بالظلم والتوق للعدالة؟ يختلف الظلم الواقع على المرأة عن الظلم الواقع على الرجل، لمجرد انتمائها للجنس الآخر، تتعرض المرأة للظلم الجسدى البيولوجى وما يتبعه من ظلم اقتصادى سياسى أخلاقى دينى اجتماعى قانونى، يقع هذا الظلم «السداسى» منذ اغتصاب الذكور للسلطة السياسية الاقتصادية وما يتبعها من سلطة دينية قانونية أخلاقية، تم إخضاع المرأة بالقوة والعنف والاستعباد، اكتسبت الرجولة مفهوم القوة والقدرة على العنف والانتصار فى المعارك السياسية والعسكرية والدينية، تم تشكيل مفهوم الرجولة على مدى القرون، من قدرة الرجال المسلحة على اغتصاب النساء والأرض وموارد الآخرين ومنتجاتهم المادية والفكرية، استطاع عبيد الأرض التمرد فى ثوراتهم المتتالية ضد الأسياد، أصحاب السلطة والمال والثقافة والعلم والفلسفة والدين والأخلاق، إلا أن كل رجل من المتمردين الثائرين ضد الظلم، كانت فى بيته امرأة يظلمها، هى زوجته، تشتغل له ولأولاده بالمجان، يغتصب حقوقها الإنسانية، حسب قانون الزواج العبودى، المستمر فى جوهره حتى اليوم، فشلت الثورات التاريخية فى القضاء على الظلم، لأنها تمت بعيدا عن البيت والعائلة، فصلت بين الشخصى (الخاص)، وبين السياسى (العام)، لهذا السبب لم تغير الثورات من الظلم الواقع على النساء إلا قليلا، ببطء شديد، مع النكسات المتكررة، ما إن تخرج المرأة من سجن حتى تدخل سجنا آخر، من سجن العذرية إلى سجن الزوجية، من سجن الأمومة إلى سجن الكهولة واليأس، من سجن الحجاب إلى سجن النقاب، من سجن التغطية إلى سجن التعرية والتهتك، وتظل مواثيق حقوق الإنسان العالمية غير شاملة لحقوق المرأة، لم تنجح الثورات الشعبية على مدى العصور، فى تغيير النظم الحاكمة القديمة والحديثة وما بعد الحديثة
... لأنها تقوم فى أساسها على عبودية نصف البشرية (النساء)، فشلت الثورات الفرنسية والإنجليزية والأمريكية والروسية والاشتراكية والليبرالية، فى تغيير نظم الحكم الطبقية الأبوية، لسبب بسيط، هو أن الثورة لم تشمل «البيت» أو سلطة الرجل فى الأسرة، المستمدة من الأديان، تزداد الأديان عنفا وقهرا للنساء، كثيرا ما تتراجع السلطة السياسية العليا (فى الدولة) أمام سلطة رجال الدين، شهدنا فى مصر مؤخرا، معارضة رجال الأزهر لنداء رئيس الدولة لإلغاء التطليق الشفهى، هكذا تظل الزوجة المصرية محكومة (حتى اليوم) بقانون لا يختلف كثيرا عن قوانين العبودية، إذ يحق للرجل المصرى، الزواج بأربعة نساء، وتأديبهن بالضرب أو تطليقهن شفهيا، بل يمكنه قتل ابنته أو زوجته أو أخته، ويخرج من المحكمة، فى معظم الأحيان، بريئا أو بعقاب مخفف، تحت اسم الشرف والنخوة والرجولة.
ليس غريبا أن يحتل العنف الذكورى أو ما يسمى «تحرش الرجال بالنساء» مكانا بارزا فى حوادث العنف والإجرام، شرقا وغربا، منها الولايات المتحدة الأمريكية، بمن فيهم رئيس دولتهم ذاته، ورجال الفن والإبداع من ذوى الشهرة والنفوذ والأموال، لم تغير الثورات السياسية أو الفكرية من أخلاق الذكور، يمكن للرجل الديمقراطى الليبرالى المدافع عن حقوق الإنسان، أو الرجل الاشتراكى الماركسى المدافع عن حقوق العمال والفقراء، أن يتحرش بالمرأة، ويمكن لنجم فنان كونى، أو كاتب عالمى ثورى، أن يغتصب طفلة لم تبلغ العاشرة، كما شهدنا مؤخرا، من نجوم الفن الأمريكيين فى هوليود، لم تغير الأفكار الإنسانية الحديثة من السلوك الذكورى العنيف تجاه المرأة، وكم من فلاسفة وعلماء كتبوا النظريات وألقوا الخطب عن الأخلاق والعدالة والحرية والكرامة، ومع ذلك ظلت حياتهم بالبيوت تطفح بالظلم والعنف، بل إن كارل ماركس، الزعيم الثورى لتحرير العمال والفلاحين، كان يظلم المرأة التى أنجب منها طفله (غير الشرعى) وتخلى عن ابنه ليرعاه صديقه فردريك إنجلز، مع تمرد الرجال الأجراء وثورة العمال المقهورين فى المزارع والمصانع، ومع انتشار الأفكار الاشتراكية ضد القهر الرأسمالى الاقتصادى، بدأ الكاتب المتمرد الثائر يلمع فى الأفق السياسى والثقافى، وتنشر أفكاره وكتاباته بين الجماهير، لم يقلل التمرد أو الثورة من رجولة الرجل، بل زادتها قوة وتأكيدا، أصبح الكاتب المتمرد الثائر ينال الاحترام والتقدير، ويدخل اسمه وأعماله فى التاريخ كواحد من الأبطال رواد التحرير، أما زميلته الكاتبة المتمردة الثائرة، فهى تنال الكره والعداء، حتى منه هو، إن كان زوجها، أو زميلها أو أخيها، أو الرجال الآخرين فى الدولة والمجنمع، تصبح الكاتبة المتمردة الثائرة مهددة فى حياتها وأخلاقها، يقولون إن الله خلقها أنثى ليس ذكرا وفرض عليها قانون الطاعة وقبول الهوان، من السهل اتهام الكاتبة المتمردة الثائرة ضد الظلم أنها ثائرة ضد إرادة الله، أى كافرة منحلة الأخلاق، لا يشتمل مفهوم الأنوثة على التمرد والثورة أو الذكاء والإبداع العقلى، يمكن للمرأة أن تبدع جسديا فى الفراش أو بيولوجيا بإنتاج الأطفال، أو بعمل المسقعة ودعك المرحاض، تنبع صفات المرأة المثالية من الاستسلام للهوان والظلم وليس التمرد عليه، تتهم الكاتبة الثائرة بالشذوذ أو المرض النفسى، وفى التاريخ القديم والحديث تم إيداع الكاتبات الثائرات المبدعات فى السجون أو فى المستشفيات العقلية، إلا أن ثورة النساء أصبحت اليوم عالمية، وتخرج، فى شهر مارس هذا العام، المسيرات النسائية المليونية فى جميع البلاد، إلا بلادنا.