الدستور

المرجعية الأساسية لتحقيق المساواة والعدالة والحماية

جاء الدستور المصري -والذي تمت الموافقة عليه بنسبة 98% في استفتاء شعبي- معبراً عن تطلعات الشعب المصري نساءً ورجالاً في تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد نصت ديباجة الدستور على أن الشعب المصري، المواطنات والمواطنون، هم السيد في وطنٍ سيد، وهذا الدستور هو دستورهم، يعبر عن إراداتهم. وقد شمل الدستور عدة مواد تنص على العدالة والمساواة فتنص المادة 8 من الدستور على التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن حياة كريمة للمواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون. كما تنص المادة 53 من الدستور على أن «المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوي الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي». كما اعتبر الدستور أن التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، كما نص على إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز.

وقد وضع الدستور أساساً قوياً لمواجهة التمييز ضد المرأة بما نص عليه في المادة 11 والتي رتبت أربعة التزامات تجاه المرأة وهي: أن «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»؛ وأن «تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها»؛ وأن «تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل»؛ وأن «تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً». هذه المادة يمكن أن تنتج نقلة نوعية في وضع المرأة المصرية إذا ما ترجمت إلى قوانين يتم إعمالها بجدية.

وقد نص الدستور في المادة 214 على وجود المجلس القومي للمرأة مع مجموعة أخرى من المجالس على أن "يبين القانون كيفية تشكيل كل منها، واختصاصاتها" كما نصت المادة على أن "تتمتع تلك المجالس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بها، وبمجال أعمالها"، كما منح الدستور المجلس في نفس المادة الحق في "إبلاغ السلطات عن أي انتهاك يتعلق بمجال عمله".

ولا شك أن النصوص التي تضمنها الدستور تعد أساساً صلباً لاستراتيجية طويلة الأجل لتحقيق الحماية للمرأة من كافة أشكال العنف والتمييز الذي قد يمارس تجاهها، تلتزم بها المؤسسات الحكومية على نحو مؤسسي ومستدام لا يرتبط بتغير المسئولين، وتلتزم بها المجالس النيابية باعتبارها توجه أجمع عليه الشعب المصري، ويلتزم بها القطاع الخاص باعتبارها الضمان لتحقيق نمو احتوائي يشارك الجميع في صنعه وفي قطف ثماره وبالتالي يحرص الجميع على استدامته، ويلتزم بها المجتمع المدني باعتبارها تعكس تطلعاته.

وبالإضافة إلى الإصلاح التشريعي الذي يترجم النص الدستوري، فإن تدخلات الدولة لمنع التمييز ضد المرأة يمكن أن تكون على درجة عالية من التأثير إذا ما استكملت بتدخلات على المستوى المحلي تتولاها منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، فالتآزر بين الدولة والفاعلين الآخرين غير الحكوميين هو الذي سيُحدث التغيير في الهياكل والأعراف الاجتماعية التي تؤدي إلى استمرار عدم العدالة بين الجنسيْن في مصر، وبالتالي يمكن تضييق الفجوة بين تطلعات وآمال النساء وواقعهن.