تحرُّش وبلطجة.. ومبررات سخيفة!!

تحرُّش وبلطجة.. ومبررات سخيفة!!

استفزني أن يخلط البعض الأوراق ويرجع جرائم التحرُّش الجنسي التي شهدها المجتمع المصري مؤخراً إلي تراجع دور الشرطة في الشارع.. بل تمادي البعض وحمَّل أجهزة الأمن مسئولية تمادي بعض المنحرفين أخلاقياً في ارتكاب جرائمهم علناً في الطريق العام. وكأن الشرطة هي الحامية وحدها للأخلاق العامة والحارس الوحيد علي قيم المجتمع وأخلاقياته. والرادع الأوحد للمجرمين والمنحرفين وهي قادرة علي حماية كل امرأة تسير في شارع أو حارة من سفاهات المتحرشين!! 
كما استفزني أن يدافع البعض عن جرائم التحرُّش في مصر ويهب بعض الشباب للدفاع عن الشابين اللذين تحرَّشا بفتاة التجمع الخامس أو أن يرجع البعض جرائم التحرُّش إلي ملابس الفتيات غير المنضبطة بضوابط القيم والأخلاق. وكأن الشباب المنحرف سلوكياً وأخلاقياً والذي لا يكف عن التحرُّش في مصر قد أصبح ضحية لهؤلاء النسوة لعدم التزامهن بالملابس المحتشمة!! 
الواقع أن ملف التحرش الجنسي في مصر أصبح مزدحماً بأوراق كثيرة مختلطة وبه العديد من التفسيرات الخاطئة والمبررات الساذجة التي تصب في النهاية في خانة تبرير التحرُّش وبالتالي الحض عليه بأساليب عديدة مباشرة وغير مباشرة ويدفع المجتمع المصري كله من سمعته وأمنه واستقراره وصورته العامة ثمناً باهظاً لهذا الجدل السخيف والذي ينبغي أن يتحول إلي رد فعل حاسم ضد جريمة التحرُّش وأما يصاحبها من بلطجة وإجرام.. تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بصور عديدة منه.. أبشعها أن يتم التحرُّش بسيدة تسير في الطريق العام وعندما يستنكر زوجها ما حدث لها يكون مصيره القتل علي يد المتحرشين. وأن تدفع أم مسكينة ثمناً باهظاً لرفضها أن يتحرش شابان مجرمان بابنتها التي تسير برفقتها ويكون العقاب تشويه وجهها بالكتر لمجرد استنكارها ما حدث لابنتها.. ثم يتم الإفراج عن المجرمين تحت ستار الصُلح بين المتحرشين والضحيتين!! 
بالتأكيد.. أجهزة الأمن مسئولة عن ضبط حالة الأمن في الطريق العام ومسئولة عن ضبط المتحرُّشين وتقديمهم للعدالة وفي مصر قوانين رادعة للتحرُّش لو تم تطبيقها بصرامة ستختفي هذه الجريمة من مجتمعنا.. لكن الشرطة وحدها ليست معنية بمواجهة هذه الظاهرة الإجرامية ولن تستطيع أية دولة في العالم أن تضبط شوارعها أخلاقياً عن طريق أجهزة الأمن بها.. بل الحارس الأول والأكبر لحالة المجتمع الأخلاقية هو الشعب الذي ينبغي أن يتصدي وبكل شجاعة لكل ما هو غير أخلاقي ولكل من يمارس إجراماً. ولكل من يحاول الإساءة إلي المجتمع ويخرج علي نظامه العام. 
في معظم دول العالم المنفتح علي كل الثقافات لا تشعر برجال الشرطة في الشوارع وفي كل المجتمعات الأوروبية تسير النساء بملابسها القليلة التي تكشف عن ثقافتها وقناعاتها. وتظهر بعض النساء بشكل نراه نحن في بلادنا العربية فاضحاً ومثيراً للغرائز ومع ذلك لا يجرؤ رجل علي التحرُّش بإمرأة أو إكراهها علي سلوك شائن حتي ولو كانت هي من أهل السلوك.. فما يتم بالتراضي مباح وما يتم بالإكراه مجرَّم ولذلك تحظي شوارع هذه البلاد بأمن نفسي واجتماعي يغيب للأسف عن كثير من مجتمعاتنا العربية التي تتشدق بالقيم والأخلاق!! 
لم يكن أخلاقياً أبداً أن يدافع بعض المصريين عن سلوك شابين حاولا مراودة فتاة عن نفسها بشكل غير مباشر. واختلاق الأعذار لهما والدفاع عن سلوكهما حتي ولو كانت فتاة المجتمع قد وضعت نفسها موضع الشبهات. ولم يكن أخلاقياً أأبداً إدانة زوج تم التحرُّش بزوجته لفظياً في الطريق العام لأنه سمح لها أن تتجمل وهي خارجة معه.. ولم يكن أخلاقياً بداً مساعدة عاطلين تحرَّشا بفتاة وارتكبا جريمة ضد أمها بالهروب من العدالة بعد أن هددا الأسرة بالانتقام.. ولم يكن أخلاقياً أبداً حفظ التحقيق مع أستاذ جامعي ثبت تحرُّشه بطالبة لمجرد تنازل الفتاة عن شكواها ضده.. كل هذه جرائم أخلاقية شارك فيها المجتمع وهي في النهاية تصب في التحريض الفاضح علي التحرُّش وما يصاحبه من جرائم منكرة تهدِّد أمن المجتمع المصري واستقراره. 
لم يكن في مصر احتشام شكلي للنساء كالذي نراه الآن حيث ينتشر الحجاب بل والنقاب ويعلو رؤوس نسبة غير قليلة من النساء.. ومع ذلك لم تشهد مصر من قبل هذا التدهور الأخلاقي الذي نراه الآن. فملابس كثير من النساء ومنهن محجبات لا تكشف عن رصيد أخلاقي يعصم صاحبته عن ارتكاب سلوك شائن في الطريق العام. وأصبح شائعاً أن تمر أمام كافيه أو مقهي وتجد سيدة محجبة وفي يدها شيشة وتتفنن في إخراج دخانها المسموم من خياشيمها"!!".. ولم يعد الحجاب علامة علي تدين صادق والدليل علي هذا "حجاب من أعلي واسترتش من أسفل!!" كما لم يعد حجاب المرأة أو نقابها حماية لها من سلوك الشباب المنحرف في الشارع.. ومنذ أسابيع عاتبت شاباً في شارع الهرم لتحرُّشه بمنتقبة فرد عليّ بسخافة "أصلك ما تعرفش تحت النقاب ده إيه يا أستاذ!!". 
رغم هذه الوقائع الفردية والحالات الشاذة للتحرش والتي تضخمها بعض الفضائيات ــ للأسف ــ وتعمل علي انتشارها أكثر وأكثر وانشغال الجماهير بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فإن التحرُّش ــ كما يؤكد علماء التربية والاجتماع والطب النفسي ــ لا يشكل ظاهرة مزعجة في مصر. فمازال المجتمع المصري حامياً لنسائه. ويجب علي كل وسائل الإعلام والثقافة إحياء مظاهر النخوة والمروءة في نفوس المصريين لمواجهة ظاهرة التحرُّش وغيرها من الظواهر السلبية التي فرضت نفسها علي واقعنا المعاصر.